يظن بعض الناس أنه حينما يكون بشوشا مع رئيسه في عمله أو مؤدبا عند مديره أو لطيفا مع ضيفه
يظن أن مثل هذا العمل والتصرف إنما هو ناتج من جميل خلقه
وسمو تعامله ، وهذا غير صحيح بل هو من المفاهيم الخاطئة التي
ينبغي تصحيحها ، حيث إن حقيقة الأخلاق إنما تكون واضحة وظاهرة
مع من هم يحتاجون إليك أو مع من هم دونك في المرتبة ولذلك
جاءت النصوص لتبين فضل ومكانة الأخلاق وعظيم أجرها ،
والحث على التخلق بها ، ومن هو أولى الناس بها ؟
فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ
إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا(متفق عليه)وهذا يعني
أنه بقدر حسن أخلاقك تكون درجة الخيرية التي تميزك عن الآخرين بمراتب.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أيضا قال قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم ولكن
يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق(حسنه الالباني2661).
وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا.
فهل أنت أيها المسلم ممن سيتشرف بالقرب من محمد عليه الصلاة والسلام
من خلال واقعك وأخلاقك ؟
وعن أبي هريرة قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم
ما أكثر ما يدخل الجنة؟ قال :التقوى وحسن الخلق.
وانظر إلى تعامله صلى الله عليه وسلم مع من يخدمه كيف كان :
فعن أنس بن مالك قال خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين
فما قال لي أف قط ،ولا قال لشيء قط صنعته: لم صنعته ؟
ولا قال لشيء تركته : لم تركته؟وكان أحسن الناس خلقا صلى الله عليه وسلم .
وهذا أخي الكريم المحك الحقيقي للأخلاق الحقيقية من الأخلاق
المزيفة والمصطنعة حيث تظهر حقيقة الأخلاق مع من هم دونك في المنزلة
أو مع من لك عليهم ولاية كالإخوة والأخوات والأمهات والزوجات
والخادم والسائق ونحو ذلك ، وليست الأخلاق أن تتبسم وتتأدب
مع من هم فوقك في المنزلة أو مع من تحب من الأصحاب فما تتعامل به
معهم ليس دليلا على حسن خلقك فان هذه الأخلاق تفرضها عليك ظروف
معينة وتمليها عليك عادات اجتماعية فلم يكن ذلك سجية من سجاياك ولا من طبائعك.
وقال صلى الله عليه وسلم إلى ذلك :
(( إخوانكم ، خولكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ،ولا تكلفوهم ما يغلبهم فأعينوهم )) رواه البخاري
وعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي.
قال صاحب تحفة الاحوذي في شرح سنن الترمذي :
قَوْلُهُ : " خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ"
أَيْ لِعِيَالِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ وَقِيلَ لِأَزْوَاجِهِ وَأَقَارِبِهِ وَذَلِكَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى حُسْنِ الْخُلُقِ.
وبهذا يتبين لك أخي الكريم أن هناك أناسا يتعاملون بالخير مع الآخرين لكن لم تكن الخيرية الأفضل إلا في جانب الأهل من
العيال وذوي الرحم والزوجات ولكن مع الأسف أن هناك نوعية
من الناس لا تجيد فن التعامل مع الأهل بقدر ما يجيدونه مع الأصدقاء
وذوي الجاه والمصالح والمناصب .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ قَالَ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ
ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ رواه مسلم.
فتأمل هذا السؤال من الرجل وهو يقول : (من أحق...؟)
فهذا يعني أن هناك تفاضلا في الحقوق ولذا سأل عن الأحق بحسن الصحبة
فأين الذين يحسنون الصحبة والابتسامة والأخلاق الراقية مع كل من يقابلون
ولو كانوا من أفسق الناس بينما لا تجد الأمهات(المسكينات!!!) منهم
إلا العبوس والنظرات الغاضبة والعبارات الفظة الغليظة؟
كم هو جميل أن يفوز الوالدان منك بأجمل العبارات وأحلى الكلمات بدلا
من أن تذهب هذه الكلمات إلى البعيد أو إلى من لا يستحقها.
كم نتعب أنفسنا ونتكلف في اختيار الجمل المناسبة بل والراقية لنتلطف
بها مع سعادة المدير نتودد بها إليه لنكسب وده ونفوز برضاه ونحن أحوج
ما نكون إلى كسب رضا الوالدين كيف لا وهم أولى الناس بهذه الكلمات
دون غيرهم من البشر.
مسكينة تلك الأم أو ذلك الأب اللذان لا يجدان من ابنهما
سوى ألفاظ التقريع ونظرات التوبيخ ولا يذكران ذنباً اقترفاه
يستحق كل هذا اللوم والتوبيخ بينما إذا جاء ضيف أو صديق لا تسمع
إلا الضحكات والقهقهات تتجلجل في جنبات المجلس ويتردد صداها في زوايا المنزل ..
فسبحان الله : أمٌ حملت وتألمت وتعبت وأرضعت ،
وأبٌ أنفق وكدح وحفيت أقدامه في طلب الرزق وتوفير لقمة العيش
لا يستحقان مثل هذه الابتسامات والضحكات من ابنهما ؟؟
الله المستعان
وكأن لسان حال هذا الابن(العاق) يقول :
القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها إلا الوالدين !!!!