أمير التنانين مشـــــــــــرف عــــام المنتــــــدى
عدد المساهمات : 796 نقاط : 1146 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 24/07/2011 العمر : 28 الموقع : wert10090@yahoo.com
| موضوع: لأمازونيات: أسطورة النساء المحاربات الإثنين أغسطس 29, 2011 11:59 pm | |
| لأمازونيات: أسطورة النساء المحاربات
تعتبر الأسطورة- ربما - التفكير الطفولي للحضارة الإنسانية في فجر تشكلّها، لكنها تبقى مع ذلك مؤشرا على تاريخ الفكر الانساني، ولبنة أساسية في قياس التطور البشري، فهي تنقل أفكار الانسان الأول مضخمة عن نفسه وعالمه، عن الاهه وأعدائه.
وقد تتجاور الأسطورة بشكل أو بآخر مع اشد الأفكار العلمية نصوعا، ذلك ان جانبا عميقا من اشواق الانسان وجوّانيته لم يزل أرضا بكرا، لم تطأها بعد مجسات ألإستكشاف رغم الترس التكنولوجي الذي يدير نهارات العالم.
ابتدع الانسان اسطورته، ليعول بها عطش روحه، واتسع نطاقها لتكون عيون آباء قدماء تطل على مجتمعات الأبناء، فاتسع مداها الفردي ليكون اقنوم الروح الجماعية، فغدت في زمن ما لوح الانسان غير المرئي الذي يقرأ فيه حاضره ومستقبله، عالم غيبه وشهادته ايضا، بل ووسيلته في حفظ نظام تجمعاته السكانية الاولى ومجتماته.
كانت الاسطورة تتسع وتتناوب من الصيد الى الزراعة، من الرجل الى الأنثى، ولعلها هكذا بزغت اسطورة النساء المحاربات، وسيلة ذكرية بيد انقلاب المجتمعات التي نحّت أمومتها، ليتسيّد نظامها الأبوي الذكري.
أسطورة المرأة المحاربة:
الأمازونيات هن النّساء المحاربات في عصور الحضارة اليونانيّة القديمة، ولم تفق تماما كتب الاساطير والتاريخ القديم على تحديد أصولهن او أين ظهرت مملكتهن, غير أن أكثر الروايات ترجح أن أرض مملكتهن هي إما ليبيا, أومنطقة ذيرميسكريا في شبه جزيرة الأناضول بتركيا اومنطقة البحر الأسود.
ومع أن الأدلة الأثرية الحديثة بخصوصهن كانت ضئيلة إلى حدّ ما, لكنّها بقيت مثيرة بدرجة كبيرة وأوحت ان نساء مثل هؤلاء قد وجدن وقاتلن ربما من أجل حالة مساوية لوضع الرجال، مع أن مثل هذا الدّليل لا يأخذ بالرؤية الأسطوريّة اليونانيّة التّقليديّة للنّساء المحاربات والتي صورتهن باعتبارهن جنسا مستقلا كلية سواء في اقليمهن او قيمهن المنفصلة عن الجزر اليونانية (بيلوبونيسس) وتقاليده الثقافية والسياسية والاجتماعية , حيث أن وجودهن البارز في الأساطير اليونانيّة قد خدم غرضًا مثيرًا جدًّا في عمق تحولات الثقافة الانسانية.
وسواء أكد هذا الغرض الوضع الانساني الراهن أو بقي في حدود التعبير عن المجتمع القبليّ في اليونان القديمة، فإنه يبقى بشكل أساسي مفتوحا للتأويل. وبالتالي فثمة رؤيتان قد توطدتا في مجال بحث مسألة الأمازونيات عموما، الأسطورية منها والآثارية، وحتى عهد قريب جدا فقد كان موضوع الامازونيات اسطوريا بحتا فيما أولته بعض القراءات الاجتماعية بعدا فلسفيا لجهة التحليلات النفسية في السياق الحضاري، الا ان السنوات الأخيرة شهدت تحولا اركولوجيا في هذا الموضوع بعيد اكتشاف مؤشرات أثرية خلال تسعينيات القرن العشرين تدل على وجود ما غامض للنساء الأمازونيات في منطقة يوراسيا قرب البحر الأسود. وسواء نوقشت المسألة من جانبها الأسطوري أو الآثاري او الاثنين معا، فمن المؤكد أنها ظاهرة كونية لجهة التعبير عن تقسيمات المجتمع الانساني وتطوراته الفكرية والحضارية.
من هن الأمازونيات؟
ما يُعْرَف عن الامازونيات اللواتي تواجدن في بحر إيجة قليل جدًّا, وثمة غموض منذ الأزمنة السّحيقة وحتى العصر الراهن يحيط بحكاية النساء المحاربات اللواتي حكمن في العصر البرونزيّ. وما يزال السّؤال الواضح المطروح من قبل معظم العلماء : من هن الأمازونيات وهل تواجدن في التاريخ الواقعي فعلا؟
رغم محدودية الابحاث وتناقضها احيانا، فإن روايات عديدة تجمع بدرجة كبيرة على ان أصول الأمازونيات تعود الى منطقة البحر الأسود حيث وجدت مملكتهن. وتختلف النظريات حول مدى اتساع سيطرتهن، فيذكر البعض ان سيطرة الامازونيات لم تتجاوز حدود البحر الاسود, فيما تذكر بعض المصادر أنهن وصلن بعيدًا نحو ليبيا في الجنوب, وتذكر مصادر أخرى أن مملكتهن امتدت إلى شبه جزيرة الأناضول, فيما ترجح روايات آخرى انهن وصلن غربا باتجاه المنطقة المنغوليّة في يوراسيا.
وجميع هذه الرويات تتناقض مع الرواية الأسطورية اليونانية، فحين بدأ اليونانيّون أنفسهم في الاعتياد على منطقة البحر الأسود, فإنهم لم يجدوا أيا من الأمازونيات، وهو أمر تفسره الاساطير اليونانية بأن الجبار هرقل كان قد قضى عليهن جميعا أثناء رحلته للاستيلاء على حزام (هيولايت) ملكة الأمازونيات. وبصرف النظر عن التأويلات الأسطورية فإن السؤال عن حقيقة وجود الأمازونيات قد حيّر العلماء المعاصرين والقدماء على السواء، وقد استنتج المؤرّخ الإغريقي بلوتارش (Plutarch ), أن الأمازونيات لم يتواجدن كجنس من النساء المحاربات على نحو منفصل ومستقل في جزر بعيدة, بل كنّ فقط نساء عاديات قاتلن مع الرجال جنبا الى جنب في المعارك.
اما هيرودوت (Herodotus ), المؤرّخ اليونانيّ الأشهر, فاعتقد أن الأمازونيات قد تواجدن فعلا في حضارة اليونان القديمة. في حين جازف بعض العلماء الآخرين بالقول ان النّساء المحاربات هن جنود الفرس الذكور الذين حلقوا لحاهم وتنكّروا كنساء في المعركة. ولا يخفى هنا طبعا أن آراء كهذه قد اصطبغت بالعداء التاريخي بين أثينا وفارس، وهي قد تكون شكلا آخر من اشكال حروب الإغريق ضد أعدائهم الفرس.ا
وعموما فإن نظريّات وأسئلة الإغريق هذه قد امتزجت بمشهد الأمازونيات ضمن الفنّ اليونانيّ . حيث كانت الأوصاف المبكّرة للنّساء المحاربات متشابهة بصورة حسنة مع صورة الالهة (أثينا), ومع تقدّم العصور فقد شبهت الأمازونيات بصورة (أرتيمس) . ثم استقرت الأوصاف النّهائيّة لاحقا الى اضفاء سمات فارسيّة على النّساء المحاربات, وتحديدا في عصور الصراع بين الاغريق والفرس، والتي كانت في افضل الاحوال تصور الفرس كشواذ.
والى جانب التساؤل حول اصل الأمازونيات فقد بزغت على الدوام اسئلة أخرة تتعلق بطبيعة رؤية الأمازونيات للرجال، وفيما اذا كنّ مفترسات ومتعطشات للدماء، وقد تساءل الاغريق القدماء – مثلما تساءل الباحثون المعاصرون ايضا- كيف استطاعت الأمازونيات أن يبقين على تواصل أجيالهم بالقياس الى أنهن شعب من النساء، وهوسؤال متعلق بالتزاوج البيولوجي.
ولعل النظرية الأكثر تماسكا بهذا الخصوص هو أن الأمازونيات قد اتصلن برجال من بلاد أخرى، حيث عمدن الى ابقاء المواليد الاناث معهن، وأرسلن المواليد الذكور للعيش مع آباءهم . وبخصوص طبيعة الامازونيات المتعطشة للدماء, فقد كتب كوينتس سميرنايس(Quintus Smyrnaeus) عنهن أثناء حروب طروادة:
(( بنشوة الانتصار النّقيّة انقضّت الأمازونيات , وبالأنّات المتألّمة صرخ اليونانيّون الهالكون, وشلّت النّساء البرّيّات الشّرسات رجولتهم. مثل إلاهات بزغن من أرض الأبطال طاردت الأمازونيات فلول أعدائهن المندفعين, قذفنهم إلى الأسفل, قطعنهم أجزاء, وللاستهزاء, قذفنهم خلال الهواء، حتّى تفسخت التّشكيلات اليونانيّة من الرّعب )).
توصف الأمازونيات عموما بأنهن محاربات شرسات, واللاتي ضربن في مناسبات عدة حصارا على مدينة أتيكا, بل وشكلن تهديدا لحاضرة اليونان أثينا. وما تثبته الدراسات انهن كنّ مقاتلات مرعبات خافهن اليونانيّون, لكنّ ما يتعلق بمسألة تعطشهن للدماء، فما يزال السّؤال مفتوحا.
سمات الأمازونيات
كانت الأمازونيات جنسا من المحاربات الشرسات. وقد تواصل التفكير بحياتهن وأساليب عيشهن عبر العصور من خلال الأساطير والخرافات. حيث نظر الباحثون الى موضوعة الأمازونيات بطريقتين: كظاهرة أسطوريّة كلّيًّا, أو كمزيج أسطوريّ أثريّ مؤيد بأدلة ملموسة. وقد كشفت الابحاث الأثرية خلال السنوات القليلة الماضية أن موضوع الأمازونيات لم يكن كلّيًّا مسألة أساطير فحسب. وأنه لفهم هؤلاء النّساء فلا بد من النظر إليهم عبر كلتا زاويتي النظر قبل صياغة اية نتيجة. فقد تواجدت الأمازونيات في سياق أسطوريّ عمليّ, و الدّليل الأثريّ الأخير قد بدأ بإماطة اللثام للكشف عن أصولهن الرّسميّة.
احتفظت الأمازونيات بنظام تربية خاصة فقد كانت الأنثى تربى منذ الصغر لتكون محاربة، حيث تخضع لحرق الثدي الأيسر منذ صغرها، لتسهيل استخدام القوس، باعتباره السلاح الرئيس في مجتمع الأمازونيات، الى جانب الليبريس (librys)، وهو فأس مزدوج الرأس، إضافة الى درع على شكل هلال. وقيل أن الأمازونيات قد استطعن ترويض الأحصنة وركوبها قبل فترة طويلة مما فعل اليونان. مما اعطاهن القدرة للمضيّ في المعركة وخوض حروب اكثر شراسة.
وتبقى الروايات غامضة بخصوص الثّقافة وأساليب القيادة والحكم في مجتمع الأمازونيات, لكن تذكر بعض المصادر أنّه كانت هناك ملكتان في مجتمع الأمازونيات, واحدة تختص بشوؤن الحكم المحلّيّة وأخرى تتولى مسائل الحرب. وكانت مستعمرات الأمازونيات مرهوبة الجانب من قبل اليونان, وقد استحضر الزعيم الاسبرطي ليكورجوس (Lycurgus) لاحقا ميراث الأمازونيات من الانتصارات والشراسة في الحرب إبان كتابته لدستور مدينة إسبرطة.
الأساطير الاغريقية حول الأمازونيات
تعتبر الأساطير الاغريقية المعين الأساسي حتى الآن في تصوير الامازونيات، وثمة روايات عدّة تحيط بالحديث عن تلك النّساء المحاربات في الأساطير القديمة، وتتضمن حبكتها عادة وجود بطل أسطوريّ, ومعركة, و فيما بعد, هزيمة محققة لأولئك النسوة الخارقات. وهناك ثلاث اساطير تعتبر الاكثر شهرة وهي: رواية ديودورس حول أمازونيات قارة اطلنطا, واسطورة هرقل وأعماله الاثني عشر، ثم اسطورة (أخيل وبانثيزليا).
1_ أسطورة الأمازونيات في قارة أطلنطا
يروي العالم والمؤرخ اليوناني القديم ديودورس ( 340قبل الميلاد - ؟) ان اصل الامازونيات يعود الى عصر قارة اطلنطا القديمة، وهي قارة اختلفت الروايات العلمية حولها، لكن التأريخ القديم يحيل الى انها قارة مفقودة، اختفت في احد المحيطات لاسباب مختلفة، على ان بعضا من المؤرخين لا يثبتون صحة وجودها ويحيلونها الى الاساطير اليونانية القديمة.
ويذكر المؤرخ ديودورس ان الامازونيات عشن في غربيّ ليبيا, ويصفها بأنها " بلد الشعوب المتحضّرة, ومنها جاءت الآلهة"، وطبقًا لرواية ديودورس, فإن ثقافة وعادات الأمازونيات كانت على النّقيض من نظيرتها في بلاد اليونان، حيث يقوم الرجال بالاعمال المنزلية، فيما تتولى النساء الامازونيات مقاليد السّياسة والحكم, والعناية بأمورالحرب, وهوما تطلّب خدمة الزامية في الجيش تؤديها النساء لعدّة سنوات أثناء مراهقتهم.
ويورد المؤرخ ديودورس انه لم يكن يسمح للمرأة الأمازونية بحرّيّة الإنجاب الا بعد انهائها الخدمة العسكرية الالزامية فقط. وفي حالة انجاب مولود جديد، فإن مهمة العناية به توكل للرجال، حيث تختلف طرق العناية به بناء على جنسه من حيث كونه ذكرا او انثى، فبينما يكتسب الطفل الذكر وجودا عاديا ينذر فيها للخدمة المنزلية، فإن المولودة الأنثى تخضع لطقوس ما يسمى " ترسيم الصدر"، وهي عملية يتم فيها احراق الثدي الأيسر أو الأيمن، وحسب رواية المؤرخ ديودورس فإن طقوس الترسيم تتم وفقا لاعتقاد الامازونيات بأن صّدور النساء قد تشكل عائقا في الحرب.
وتستمرّ حكاية أطلنتس بالتالي مع ملكة الأمازونيات القوية مايرينا, التي فرضت حصارا على أطلنتس انتهى بسيطرة الامازونيات على مدينة سيرن, ورغم مقاومة بسيطة فقد خضع سكان اطلنتس اخيرا لحكم الامازونيات، وكان متوقّعا ان تقوم نساء الامازون بعدها بإبادة شعب "الغورون" الذين كانوا يقطنون غربا، ويقومون على الدوام بشن غارات ضد سكان اطلنتس. وقد عرف الغورون بإنهم مخلوقات بشعة ينحدرون من الميدوزا.
ويروى أنه قبل ان تقوم الامازونيات بمهاجمة الغورون، فقد حدثت ثورة في المدينة استطاع فيها السكان الأصليون قتل نصف النّساء المحاربات بسيوفهن وهن نائمات، ومع ذلك فقد تمكنت الأمازونيات بنصف عددهن المتبقي من مهاجمة الغورون لكن نصرهن كان مجتزأ، فقد لجأن أخيرا الى البطل الأسطوري (فرساوس) لقتال الغورون وإبادتهم.
تفسير اسطورة اطلنطس
تعتبر اسطورة اطلنتس مثالا نموذجيا حول ما يمكن تسميته الجنس المقلوب او المعاكس (reverse gender) ، او اسطورة الآخر الغريب، حيث يصبح كل ما يجري في المجتمع العادي او المتحضر مقلوبا رأسا على عقب، وفي مجتمع كالمجتمع اليوناني القديم – والذي كانت النساء فيه ملزمات بالأعباء المنزلية الاعتيادية ولا يسمح لهن بالمشاركة السياسية والحربية- فإن أسطورة الدّور المعاكس هذه تخدم عدّة أغراض ضمن ثقافات كثيرة : أوّلها تأبيد الوضع القائم عبر تصوير ما يمكن ان تكون عليه الأمور من شذوذ في حالة إذا كان العكس صحيحا في الحضارة الانسانية. اي ان الثقافة المسيطرة (الذكورية) تبتدع وسائلها التخييلية في وضع الاسطورة المعاكسة، لدرء وهم سيطرة أنثوية عبر استباقها وقطع الطريق عليها من الاساس.
من جهة أخرى فإن أسطورة الدّور المعاكس, تعمل على تقوية تراتبية المجتمع القبليّ في اليونان القديمة، فبينما تكون النساء قادرات جزئيا فقط على التعامل مع شرور بشاعة الغورون – الذي هو ممثل للقوّة الأنثويّة الفائقة و إرهاب مطلق للرّجال- فإن الأمر يتطلب بطلا اسطوريا ذكرا هو (فرساوس) لمحاربة الغورون والقضاء عليهم، بحيث يتبدى ان هذا المزج (الذكري- الأنثوي) في عناصر الاسطورة يقود الى تأكيد حقيقة أن النّساء لم يكن من الممكن أن يتولّين السلطة او يجرين التّأثير الفاعل والمكتمل أيضًا، إضافة الى التأكيد على أن دورهن كنساء محاربات كان غير طبيعيّ بشكل ما.
2_ اسطورة هرقل وأعماله الاثني عشر
يعتبر هرقل بطلا خارقا في الاساطير اليونانية، مكنته ميزاته الانتقال من وضعه كإنسان فان الى مملكة الخالدين،وهو ابن زيوس كبير الآلهة الاغريقية وثمرة عشقه للجميلة (ألكمينا) وهي امرأة من البشر الفانين احبها زيوس فأنجبت له هرقل.
تروي الأسطورة ان هرقل قد أُجْبِرَ على أداء اثني عشر عملاً، بعد ان سحرته زوجة ابيه الالهة (هيرا) فقتل زوجته (ميجارا) و أطفاله في نوبة غضب مجنون بتأثير السحر، وقد نفى هرقل نفسه بعد ما اقترف والتمس البحث عن (بايثي) عرافة معبد دلفي، فأمرته الوسيطة الروحية أن يقضي وقته خادما ل( يوريسثيس ) والذي أرسله لينجز اثني عشرعملا في سبيل تطهير نفسه من الجريمة التي اقترفها بحق زوجته وأطفاله. وكان من ضمن المهام الوكلة اليه الاستيلاء على حزام (هيبولايت) ملكة الأمازونيات.
ولقد شكل الاستيلاء على الحزام أهمّيّةً عظيمةً للنساء الامازونيات، فقد امتلكت هيبولايت حزامًا ذهبيًّا منحه اياها اله الحرب (آريز) ،و تقول بعض مصادر الاسطورة أن هرقل اغتصب هيبولايت لانتزاع الحزام منها, لكنّ روايات أخرى تقول أن الملكة نفسها قد اعطته اياه طوعا، وسواء أكان الاستيلاء على الحزام بالقوة او سواها؛ فقد انتقمت الامازونيات من هرقل. وحسب الاسطورة فقد قاتل هرقل الأمازونيات حتى أنه لم يدع منهن واحدة.
تحليل اسطورة هرقل واعماله
جاء الاستيلاء على حزام الملكة الامازونية ضمن أعمال هرقل الاثني عشر في سياق جملة من القتل والتّرويض, والأسر وتنظيف الإسطبلات القذرة وذبح الحيوانات البرّيّة، وعليه فإن الاسطورة تفسر - طبقًا لليونانيّين القدماء- لماذا لم يكن ثمة أمازونيات في منطقة (ذيرميسكريا) في شبه جزيرة الأناضول, لكنّها تظهر أيضًا الجانب الخطير أو غير الطبيعيّ لوضعية المرأة التي لا تلتزم بتقاليد اليونان القديمة.
لقد مثّلت النّساء الامازونيات أسلوب حياة يناقض كلّيّة حياة اليونان "المتحضّرة العاديّة", وهو ما سوف يشكل تهديدًا للأبطال الأسطوريين مثل هرقل, ثيسيس، وفرساوس. وفي المعادل الموضوعي فإن كل ما يمثلنه النّساء الأمازونيات في هذا السّياق هو تهديد أيضا لنظام الحضارة اليونانيّة الطّبيعيّ, وهو ما يتوجب الرد عليه بالترويض أو القتل.
3- أسطورة أخيل وبانثيزليا
الرواية الثالثة الشهيرة حول وجود الأمازونيات هي اسطورة (أخيل وبانثيزليا)، ويُروى أن البطل الأسطوري اليوناني أخيل قد التقى المحاربة الامازونية بانثيزليا خلال حرب طروادة، ويصوّر أخيل باعتباره مخلوقا بريّا نقطة ضعفه في كعب قدمه، ويُروى أنه عصى أستاذه تشيرون ( كائن خرافي نصفه انسان والنصف الآخر حصان)، واصبح قائد جيش وهو في سن الخامسة عشرة حيث خاض حروبا كثيرة خارج بلاد اليونان، وفي المقابل كانت الأمازونية بانثيزليا محاربة عظيمة، وقد قتلت – بغير قصد – ملكة الأمازونيات هيبولايت، لكنها كانت قد تلقت تطهيرا عما اقترفته، وأسندت لها مهمة قيادة فيلق من النساء الأمازونيات في احدى معارك حرب طروادة .
وتروي الاسطورة أنّ فيلق بانثيزليا وفيلق أخيل قد تقابلا في طروادة واشتبكا في معركة ضروس, لكن عندما أجهز اخيل على بانثيزليا وقتلها، وانحنى عليها ليلتقط درعها وفقا للتقليد المتبع في اغنتام درع العدوّ ، فقد راعه جمالها -بعد إزالة درعها- فبكى علانية على جمالها الميّت، وتذكر بعض الروايات انه اغتصبها.
تفسير اسطورة أخيل وبانثيزليا
ما حدث بعد المعركة مع أخيل يجعل الأسطورة موضع شكّ كبير بخصوص النّساء الامازونيات، بفعل الإختلافات الكثيرة في القصّة, فمصدر يصور بانثيزليا مقتولة بيد اخيل دون حادثة الاغتصاب. فيما تصّور في أماكن أخرى باعتبارها مغتصبة ومدفونة وفق تقاليد جنازة المحارب، وفي مواضع أخرى تُعَذَّب حتى الموت و تُقتل دون مراعاة لتقاليد الشّرف.
وأيا تكن الروايات فإنها تنطوي على تشهير مطلق بالمحاربات الأمازونيات ومغزى الأسطورة يوضّح هذه الحقيقة، حيث ان الفكرة هي تقييد النّساء الأمازونيات بأنوثتهم رغم أنهم كنّ محاربات، وتبقى فكرة السيطرة الذكورية ثابتةً ذلك أن النساء هنّ الجنس الأنعم، ولكن الأضعف قطعا مقارنة بالرجل.
الأمازونيات ونساء إسبرطة
ناقشت ابحاث كثيرة علاقة الامازونيات وتأثيرهن بمدينة اسبرطة الاغريقية والتي نافست اثينا واشتهرت بنظامها العسكري الصارم، ومع أن الابحاث ذات طابع عمومي في أفضل احوالها، الا ان كثيرا من المؤرخين برهنوا على أن الأمازونيات قد أثّرن فعلا في الثقافة الإسبرطية، الى جانب وجود عناصر مشتركة بين كلا المجتمعين. حيث امتلكت نساء اسبرطة حرّيّة سياسيّة أكثر كثيرًا مما امتلكت نساء المدن الأخرى كمدينة أثينا مثلا. ولقد كان مطلوبا من المرأة الإسبرطية ان تكون شرسة وقادرة أن تدافع عن أرضها، وهو أمر يستدل به من خلال عبادة الإلهة أرتيمس والتي كانت نصيرة مدينة اسبرطة، كما أن أرتيمس الأمازونيات كانت ربّة الصّيد البرّيّ وحامية الحيوانات, والمدافعة عن النّساء, والبنات الصّغيرات والشّباب، ورغم أن عبادة أرتيمس كانت مشتركةً مع باقي المدن اليونانيّة, الا ان مدينة سبرطة وحدها فقط امتلكت روحا محاربة وحسّا بالمساواة سمح بالازدهار بين رجال ونساء الأرستقراطيّة الاسبارطية.
ربما يجد المؤرخون والباحثون تقابلات وتأثيرات بين المجتمع الأسبرطي ومجتمع الأمازونيات، لكن تبقى المسألة محض تأملية خصوصا في ظل المعلومات المحدودة عن المجتمع الامازوني، ففي الوقت الذي تميز الأخير بوصفه مجتمعا أموميا خالصا على نحو صارم، فإن المجتمع الاسبرطي كان مجتمعا ابويا بامتياز، اضافة الى البون الشاسع في منظومة الافكار الأيدولوجية لدى المجتمعين، ربما استلهم الاسبرطيون كثيرا من مفاهيم احترام المرأة من خلال الحكايات والاساطير الأمازونية، حيث يروى أن الزعيم الاسبرطي (ليكرجس) واضع قانون المدينة قد استلهم بطولات الأمازونيات خلال حرب طروادة، فأفرد في قانونه مساحة رفعت من وضع النساء وأعطتهن حق المساواة بالرجل في نظام التّربية نفسه. ومن من غير المستبعد أن اسبرطة منحت النساء ببساطة حقّ الامتلاك و تولّي ادارة شؤون الأرض إذا كان الأزواج منشغلين بالحروب، بل وسمح للمرأة حق اتخاذ زوج ثان إذا استدعت الضّرورة. ومثل هذه الحقوق بقيت خاصة بإسبرطة دون غيرها بل وعلى النقيض مع باقي المدن اليونانية التي لم تسمح للنّساء بامتلاك الأرض اضافة الى استبعاد الحقوق الأخرى الكثيرة أيضًا وحتى منع المرأة من الزواج بعد موت زوجها.
لكن من المرجح ان السماح لنساء اسبرطة بامتلاك الأرض وقت الحروب، عائد ببساطة الى مخاوف الاسبرطيين من ثورة محتملة للعبيد، وبالتالي تطلّب الأمر نساء قويّات لتجنّب مثل هذا الهجوم. وفي حالة كهذه فإن تفكير المؤرّخ (بلوتارش) بنموذج النساء الأمازونيات سيكون ملائما، حيث تقاتل النّساء بين الرّجال كأنداد لهم .
في ظل نقص المعلومات الاركولوجية المؤكدة، فإن الاستخلاصات العلمية ستكون بلا شك ضئيلة وافتراضية بخصوص ظاهرة النساء المحاربات، ومع ذلك يبقى مجال التأويل واسعا على الأقل ضمن تطورات صورة الامازونيات كما نقلتها الأساطير اليونانية والتي لا يستطيع الباحث ان يغفل تضاربها، بل واختلاف رواياتها أحيانا، غير أن العقل الجمعي احيانا في صياغته لأسطورته يترك مجالا واسعا للتأمل في أصل تحول صورة النساء المحاربات، فمن جهة ثمة نظرة سلبية عامة تصبغ تقييم الأساطير المنقولة للأمازونيات، لكن من جهة أخرى وفي الطبقات العميقة لتحولات الصور، ثمة ما يشي بتقدير مبهم لتلك الصور او ربما لما تبقى من ذلك "التقديس" القديم الذي طمرته تحولات المجتمعات، وذلك مشعا في خفايا النص المعلن للاسطورة.
وقد يصح والحالة هذه أن أسطورة الامازونيات بنسختها النهائية السلبية قد تشكلت بعد انقلابات المجتمع البشري من طوره الامومي، الذي تسوسه الام المرأة الى طوره الأبوي ذي الطابع الذكوري، ولعل ما يدعم هذا التحليل أن صورة الأمازونيات في متن الاسطورة نفسها قد خضع لاعادة رسم كلي، غير أن اعقل الجمعي الذكري الجديد لم يستطع تماما ان يلغي اصورة الامومية القدمية زغم كل عناصر الاغاء التي وضعت فيها، وهو يتبدى في متن الأسطورة نفسها التي تتنفس عبر شقوق هامشية وتربط النساء الامامازونيات- بما تبقى من صورة الالهة الامومية الحارسة او االحامية سواء في صورة الالهة أثينا أو نظيرتها أرتميس.
كما ويتبدى تطويع الوعي الجمعي الجديد لصالح الايدولوجية الابوية في النص التاريخي نفسه وذلك عبر الباس الصورة السليبة للأمازونيات- الام القديمة- لوجه العدوي اعياني اي ما قام به اليونان من اسقاط لصورة الامازونيات على وجوه اعداءهم الفرس.
غير أن النظام الأمومي ايضا لم يستلسلم تماما للإنقلابات الأبوية، ورغم أن الاسطورة قد كيفت ايدواوجية المجتمع الأبوي، الا أن المجتمع الامومي دافع لاحقا، ولو داخل النظام الأبوي نفس- وذلك عن طريق محاولة التمظهر مجددا في التشريعات القانونية لمدينة اسبرطة، بيد ان تكيف المجتمع الأمومي، جاء بحسب منطق التاريخ نفسه الذي يتقدم نحو الامام، بحيث حازت نساء اسبارطة جانبا من سلطتهن الامومية القديمة، ولكن ضمن قوانين المجتمع الابوي نفسه، والذي كان قد تأبد، ولم يعد بالامكان قلب عجلة التاريخ والارتداد بها نحو الخلف. | |
|