تمثّل الذاكرة أحد أهم العناصر الأساسية التي يعتمد عليها النمو العقلي والإدراكي للمرء، إذ يخزّن فيها خبراته ومعارفه منذ ولادته. وقد أثبتت أبحاث علميّة حديثة أن الذاكرة البشرية تكون أكثر نشاطاً وتطوّراً خلال مرحلة الطفولة مقارنة بالمراحل الأخرى من عمر الإنسان، وهو ما يجعلنا نتذكر أشياء حدثت لنا في طفولتنا، مع أننا ربما ننسى ببساطة أحداثاً وقعت لنا بالأمس القريب!
.
تشرح الإختصاصية النفسية في مستشفى سعد التخصّصي فاطمة الحداد «أن ذاكرة الطفل تعمل منذ أول يوم بعد ولادته». وتشير بعض الأبحاث إلى أن الطفل الحديث الولادة يتذكّر صوت أمه الذي كان يسمعه وهو جنين في بطنها، وبعد الولادة تنمو ذاكرته كما تنمو جميع أعضاء جسمه، وتتطوّر من مرحلة إلى أخرى. وتقول الحداد «ان الذاكرة تتطوّر منذ ولادة الإنسان، فالأبحاث التي أُجريت على عدد من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الستة أشهر والعامين خلُصت إلى أن قدرات الطفل على تذكّر الأشياء خصوصاً الأكلات المحبّبة وبعض الأسماء وبعض الكلمات والصور تزداد مع تقدّمه في السن خلال تلك الفترة».
وفيما ترجح بعض الأبحاث أن يكون نموّ ذاكرة الطفل في العام الثاني من عمره أسرع من نموّها في السنة الأولى، حيث قال باحثون أميركيون في مجلة «نيتشر» العلمية إن هذا النمو لا يرجع فقط إلى ازدياد الخبرة، بل يرجع أيضاً إلى زيادة القدرة الإستيعابية لعقول الأطفال في عامهم الثاني، ترى أبحاث أخرى أن ذاكرة الطفل في عامه الأول تنمو بشكل أسرع من باقي مراحل عمره. وأيّاً كانت النتائج، فإن جميع هذه البحوث تتفق على أن ذاكرة الأطفال تنمو بشكل سريع في سنوات عمرهم الأولى.
مخزن الأسرار
إستطاع العلماء رصد بعض تطورات ذاكرة الطفل: ففي خلال السنة الأولى من عمره يبقى ما مرّ به من أحداث وما رآه من أشياء عالقة في ذاكرته لمدّة أيام، أمّا في السنة الثانية فيستطيع تذكّر ما مرّ به بعد أسابيع، بينما في السنة الثالثة من عمره تتسع الذاكرة لتستوعب الأحداث وتتذكّرها بعد مرور شهرين إلى ثلاثة أشهر على وقوعها. وفي عمر السادسة يستطيع الطفل تذكّر ما مرّ به بعد انقضاء ثلاث سنوات ونصف عليه، بل تبقى بعض الأحداث من هذه المرحلة العمرية عالقة في ذاكرة الإنسان طوال عمره، لتكون الذاكرة مثل مخزن الأسرار الذي يحتفظ فيه الإنسان بأشياء حدثت له أو بأشخاص قابلهم وتركوا بصمة واضحة على حياته.
تدريبات مصوّرة
إن ذاكرة الطفل هي ذات طبيعة حسّية، بمعنى أنه يتذكّر الأشياء التي ترتبط بالصور أكثر من تذكّره للكلمات المجرّدة أي أن ذاكرته تستطيع تخزين ما يمرّ به من صور وأشخاص أكثر ممّا تقدر على تذكّره من كلمات أو أعداد مجردة. وفي هذا الإطار، تنصح الإختصاصية النفسية الآباء والأمهات بأن يضعوا تدريب وتقوية ذاكرة الطفل في أولوياتهم، وذلك من خلال برنامج يعتمد على الصور أو الألعاب الهادفة، فضلاً عن ترديد الأغاني والأناشيد المحبّبة له وقراءة القصص المشوّقة. ويمكن للأم، عند قراءتها قصّة لطفلها أن تقوم بالتوقف في منتصفها وسؤاله عن الأحداث التي يمكن أن تترتب على ما سبق قراءته.
القرآن والحوار
توضح الحداد «أن حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة يساهم بشكل فعّال في تنمية مدارك الطفل ويقوّي ذاكرته، ممّا يساعده على الإستيعاب وسهولة استرجاع المعلومة بشكل سريع». وقد أثبتت بعض الأبحاث العلمية أن دروس الموسيقى تقوّي ذاكرة الأطفال، حيث أشارت دراسة كندية إلى أن الأطفال الذين يتعلّمون الموسيقى تكون ذاكرتهم أقوى من ذاكرة الأطفال الآخرين.
وأظهرت الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية أنه بعد عام واحد من التدريب على الموسيقى يتفوّق الأطفال الذين تلقوا تدريباً موسيقياً على الأطفال الذين لم يتدرّبوا على الموسيقى
في اختبارات الذاكرة. واكتشف الباحثون أن أداء المخ يتطوّر لدى الأطفال الذين يتلقون تدريباً موسيقياً بعد أربعة أشهر فقط من بداية التدريبات.
وتؤكد الحداد «أن الحوار المتبادل مع الأبوين والأشقاء والمحيطين هو من أفضل الأساليب التي يمكن اتباعها لتقوية ذاكرة الأطفال، فالأسئلة المرتبطة بما مرّ على الطفل خلال يومه تعدّ إحدى الطرق الهامة لتنشيط الذاكرة، حيث تعمل على قيامه بتذكّر كل أحداث اليوم»، مضيفةً
«انه يمكن تطوير تلك الأسئلة مع مرور الوقت لتكون أكثر تفصيلاً، مثل: ماذا كان يرتدي أصدقاؤك اليوم؟
وما هي الألعاب التي فزت فيها؟.. إلى غير ذلك من الأسئلة التي تنشّط ذاكرته، وفي الوقت نفسه تتيح له الفرصة للتعبير، وتمنحه القدرة على التواصل مع الآخرين.
نوعية الغذاء
يشكّل الغذاء أحد أهم العوامل المؤثرة في قدرة الأطفال وتمتعهم بذاكرة قوية، فتناول الأطفال لوجبات متكاملة خصوصاً وجبة الإفطار يسهم في تحقيق هذا الهدف، حيث يتم تزويد مخزون الطاقة لدى الطفل لتعويض ما يفقده طوال يومه، وهذه الطاقة تساعد أيضاً على تحفيز الذاكرة والحماية من الإجهاد والسيطرة على الضغط العصبي. وقد توصّلت بعض الدراسات إلى أن نوعيات معينة من الأغذية تسهم أكثر من غيرها في تقوية ذاكرة الأطفال، فالأطعمة الغنية بعنصر الزنك تساعد في تحسن الأداء العلمي للأطفال والمراهقين في المدرسة، وتزيد من استيعابهم وقدرتهم على التحصيل العلمي، وكذلك السمك والسكريات تساعد في تنشيط الذاكرة والمخ. ولذا، تنصح بتناول الأطفال أغذية الطاقة المحتوية على السكريات، وكذلك التركيز على الأغذية التي تحتوي على الحديد مثل الكبدة التي تقي من الأنيميا، والسمك الذي يعمل على تنشيط الذاكرة.
أخطاء تربوية
ثمة أخطاء يقع فيها بعض الآباء والأمهات تؤثّر بشكل سلبي على ذاكرة الأطفال، ومن أبرزها: العقاب الشديد للطفل، خصوصاً العقاب البدني المؤلم، وعدم تشجيعه إذا قام بأمر جيّد، وكذلك المبالغة في حرمانه.