إن الحياة البشرية حقيقة روحية لا سبيل إلى تقليلها أو تأويلها أو تفسيرها بأدلة طبيعية . ولست أزعم أن الإنسان مجرد عن الحيوانية , فإن العنصر الحيواني قوي فينا , وأجسادنا قد تطورت كما تطورت أجساد الحيوانات الأخرى , ولا نستطيع أن ننتزع من داخلنا البيئة الحيوانية التي درجنا فيها .
فقد يكون المرء عبقريا نابغة , ولكنه يجوع ويعطش ويأكل ويموت . لكن بعد كل هذا يبقى الحق العميق يبقى الإنسان متساميا فوق الطبيعة .
فأنا وأنت لسنا حيوانات إننا بشر لنا عقل يفكر وضمير يميز وروح لها صلة مع السماء .إن الحيوان ينسى ما ضيه سراعاً فهل يقدر أحدنا أن ينسى ما ضيه ويطمس ما يتغلغل في ذكرياته من أعمال سيئة أتاها؟ إن شعورنا بوخز الضمير حين نخطئ , مهما طمست فينا معالمه وآثاره وندمنا حين نرتكب الإساءة , حتى في أحط الأشرار فينا لدليل على وجود عنصر يميزنا عن الحيوانات . وبلا أدنى شك إن للإنسان تراث حيواني , ولكن النقائص التي يعزوها إلى نفسه لا يمكن أن تكون فقط نتيجة ذلك التراث الحيواني.
فأنا وأنت جزء من هذا الكون المادي لكن نتسامى فوقه. ويبقى الإنسان لغز غامض فهو يرفرف بجناحيه إلى العلاء وقد يهبط بأثقاله إلى أعماق الحضيض , وقد يكون يوما قديسا ويوما شيطانا يوما أسير شهواته ونزواته ومخاوفه ويوما آخر يستجيب لنداء الضمير والحق فأنا إذا نظرت إلى حياتي أراني لم أتعد على الشرائع الصالحة وحسب, بل تعديت على نواميس الطبيعة.
فالحياة إذا حقيقية لاسبيل إلى تعليلها بالأسانيد الطبيعية فإذا أردنا أن نحقق معنى الوجود وغرض الوجود علينا أن نحترم الحق والعدل ونعمل من أجل تحويل هذه الأرض إلى سلام ووئام مع جميع خلائق البشر.